الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة «30 سنة سنة وأنا حاير فيك» للمسرحي توفيق الجبالي: إذا اعترضكم صنم، فاهدموه...

نشر في  11 ماي 2018  (11:44)

«إذا اعترض طريقكم صنم، فاهدموه»، ضدّ أصنام السياسة وأصنام التقاليد وضدّ كلّ أشكال التسلط، ارتفع صوت توفيق الجبالي في عمله المسرحي الأخير «30 سنة وأنا حاير فيك» الذي يُقدم على ركح مسرح التياترو، هذا الفضاء الذي يعدّ واحدا من أبرز الفضاءات المسرحيّة الخاصّة في العاصمة..
بمعوله المسرحي الساخر، يهدم الجبالي الصنم تلو الآخر، انطلاقا من ذاته المسرحية الشاهدة على العصر والتي يرى فيها «شاهد زور» على استقامة الإدارة ونزاهة السياسة وعدالة الدستور وبهاء التقاليد وأمانة التاريخ...

من خلال ديكور «كيتش» يعكس الرداءة المستشرية في البلاد، يُبدي الجبالي نظرته الناقدة لحال البلاد، بلاد واجهات البلاستيك والأضواء الخاطفة... فما أركّ هذه الزينة منعدمة الذوق، وما أركّ هؤلاء الناس الذين «بطلوا التخمام» واستبطنوا ثقافة «شلة أمين» و«أولاد مفيدة» و«بودينار».

يبدو الفضاء المسرحي في «30  سنة وأنا حاير فيك» كفضاء لنقد المؤسسة بامتياز ولتدمير مختلف الأصنام التي تقدّسها المجتمعات وتحرم المسّ منها... هذا الدور النقدي ركّز عليه الجبالي في مختلف فصول مسرحيّته، بل وألحّ عليه إلحاحا حتى يجعل من التعبيرة المسرحية عصا ضاربة تزيح أغطية النفاق وتُسقط أردية المواضعات الاجتماعية الخانقة..

ومن أبرز المواضيع التي رمتها المسرحية بنبال رمحها، نجد المسألة السياسية التي حظاها بمجموعة من الفصول ومنها ذاك الذي جمع الملك بابنه السّخيف، وذاك الذي ظهر فيه البصير وهو يشتمّ رائحة النجاسة المنبعثة من صناديق الاقتراع فتكشف اللغة المسرحية حجم العفن الراكد في هذه المواعيد ـ الفضاءات السياسيّة.

خطّ الجبالي هو خطّ الاستهزاء ونقد الشخصيات المُعتبرة ومنها شخصية الرئيس بورقيبة.. فلا مجال مع الجبالي للتقديس أو للتأليه، ركحه مفتوح للهدم وبناؤه المسرحي قائم على مطرقة السخرية.. يكتب الجبالي نصه ضد الهالة «الأورا» المرتبطة بتقديس الأشخاص سواء دينيا أو اجتماعيا، وهو تمشي يرفضه الجبالي ويجسده في لوحة «الموظفين الذين يلعبون بالكرات» الطريفة حيث يحطم نهائيا صورتهم الاجتماعية الموقّرة ويضعهم في موضع مشبوه، فهم في الأصل خليط سمج بين «أناس منافقين» و«لاعبي كرة» و«بلهاء»، فلم يعقدون حياتنا ويلعبون أدوار الحكماء وهم لا يزيدون عن التفاهة بشيء؟

وإلى جانب المواضيع السياسة، يستهدف الجبالي جمود التاريخ وكل المقولات المتبجّحة بالامجاد السابقة ومنها «تونس، 3 آلاف سنة حضارة» ليقول من خلال الفصل الهزلي «الحفر في التاريخ» كم هذه البلاد مبنية «على رأس كلب»، وكم نحن مُبتلون بتمجيد الماضي مقابل سبات الفكر وعقم معرفة الحاضر.
وحتى اللّغة، هذا العامل المجتمعي الذي يُثبّت هويتنا وانتماءاتنا، يضعها المسرحي على محك النقد، فلا رضاء ولا مهادنة مع الكلمات المُحببة والجمل المنمّقة والأفكار المقبولة، كلّها يجب أن توضع موضع مساءلة وشكّ. العنف أيضا، يتطرّق اليه الجبالي دون مواربة ودون أقنعة، فالعنف متغلغل في مجتمعنا وفي كياناتنا،  فلم نخفيه أو نرفض التحدّث عنه بتعلة الخوف أو الأخلاق.

يقول الجبالي كل ذلك عبر لغة مسرحيّة بسيطة قوامها الأوّل السخرية التي ترتقي الى منزلة التيار الفكري وتذكرنا بالمنهج الكلبي الذي يرفض التقاليد والقيود ولا يبالي بالعرف.

يكسر صاحب «30 سنة وأنا حاير فيك» كل الصور النمطية وينتقد السلط المحافظة التي ترغب في التحكم في المجتمع بغاية ابقائه في حالة جمود بما يتماشى وأهدافها السياسية أو الدينية أو الاقتصاديّة. ضد كل ذلك تقف المسرحية ساخرة وضاحكة ومهدّمة بلا حد وبلا رقيب.

 

لا تخشوا الأصنام ولا تنخدعوا بالمظاهر ولا بالسلطة يقول الجبالي، فهي ليست الاّ زيف اجتماعي مغالط...

شيراز بن مراد
صور: كريم العامري